تواجه فلسطين اليوم أزمة إنسانية غير مسبوقة بسبب الحرب الوحشية الإسرائيلية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممارس بحق الشعب الفلسطيني، وتحدث هذه الفظائع في ظل الإمبريالية وفي ظل العنجهية الإسرائيلية التي تعكسها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في فلسطين.
حرب الإبادة هذه تعد الحرب الأكثر دموية والأعنف في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ عام 1984، و ها قد مضى أكثر من عام على اندلاعها، سقط خلاله عدد هائل من الشهداء والجرحى، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، حيث بلغ عدد الشهداء هذا العام 43,374 شهيدًا، بينهم 11,815 شهيدة من النساء و 17,889 شهيدًا من الأطفال، بالإضافة إلى ما يقارب 10,000 مفقوداً تحت الأنقاض، منهم 4,700 من النساء والأطفال.
مما يجعل النساء والأطفال من أكثر الفئات تضررًا من هذه الحرب التي دمرت مستقبل الأجيال القادمة، واستهدفت النساء الفلسطينيات بشكل ممنهج باعتبارهن مصنع ومربيات الأجيال. وفي هذا السياق تتعرض النساء الفلسطينيات لشتى أشكال الاضطهاد والعنف، بما في ذلك القتل والتهجير القسري والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم والعيش بكرامة. و يتفاقم ذلك بالتعرض للاعتقال وما يرافقه من معاملة سيئة للغاية بحق الأسيرات الفلسطينيات، إذ تتعرض الأسيرات الفلسطينيات منذ اللحظة الأولى لاعتقالهن لأقسى أشكال الاضطهاد والعنف الجسدي والنفسي، بما في ذلك الترهيب والتحقيق القاسي والتفتيش العاري لهن وإهانة كرامتهن دون مراعاة لاحتياجاتهن الخاصة.
كما تعمدت إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة تدمير القطاع الصحي، إذ استهدفت المنظومة الصحية و المستشفيات والاطباء وسيارات الإسعاف وحتى المسعفين أنفسهم، ولم يسلم بشر ولا حجر من الدمار الشامل الذي لحق بقطاع غزة، وبلغ عدد المصابين جراء القصف الاسرائيلي اكثر من 85,653 مصاب معظمهم من النساء والأطفال ممن فقدوا أطرافهم كلها أو بعضها. بالإضافة إلى معاناة النساء والأطفال من أزمات نفسية كبيرة وحالات صحية صعبة ومن انتشار الأوبئة والأمراض وتلوث المياه وسوء التغذية وعدم توفر الفوط الصحية للنساء، وعدم توفر الظروف الصحية الآمنة للحوامل منهن اللاتي قد تلدن في الشوارع والحدائق العامة على مرأى الجميع دون أي رعاية صحية ودون أي مراعاة لخصوصيتهن، مما يضطر الأخريات للجوء لأساليب منع الحمل وربما منع الدورة الشهرية حتى لا يواجهن الظروف ذاتها.
كما تستهدف إسرائيل في حربها الوحشية على قطاع غزة المنظومة التعليمية بشكل ممنهج، حيث تم إيقاف التعليم في قطاع غزة لعام ونيّف، مع تدمير كامل للمدارس والجامعات والبنية التحتية وتحويل ما تبقى من المدارس إلى مراكز لإيواء النازحين، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل تعمدت استهداف الاطفال والنساء وقصفهم وحرقهم في مراكز الإيواء على مرأى ومسمع العالم أجمع.
أما بالنسبة للحياة اليومية في قطاع غزة المنكوب فهي في غاية الصعوبة بالنسبة للنساء، إذ تم قتل جميع مظاهر الحياة، من خلال قطع الماء والغذاء والدواء والوقود واضطرت النساء إلى طهي الطعام على الحطب، وأصبحت المرأة الفلسطينية عاجزة كلياً عن سدّ احتياجاتها واحتياجات أطفالها.
كما أن تدمير الكيان الاسرائيلي للمباني والشوارع وكامل البنية التحتية سواء في غزة أو حتى في الضفة الغربية في مدينتي جنين وطولكرم تسبّب بالازدحام الشديد في الخيام وقلة الخدمات الصحية والرعاية الصحية، مما جعل أبسط الأمور كالدخول إلى دورة المياه أمراً صعباً، حيث أنه يجب على المرأة الوقوف لساعات طويلة بين الرجال لانتظار دورها دون مراعاة لخصوصيتها.
أما بالنسبة لتأثير الحرب على قطاع الزراعة، وهو القطاع الأهم في فلسطين، فقد وضعت هذه الحرب الفلاحين والفلاحات في ظروف صعبة للغاية، حيث أنهم لم يعودوا قادرين على الوصول لأراضيهم أو حصاد محاصيلهم الزراعية بسبب القصف المستمر، كما أن الغازات السامة التي استخدمت في الحرب أدت إلى تلويث التربة وإتلاف المحاصيل الزراعية و فسادها. بالإضافة إلى أنه في مناطق الضفة الغربية تم إبعاد الناس عن أراضيهم بالحواجز العسكرية، وتم التعدي على هذه الأراضي واقتلاع أشجارها و مصادرتها، والاستيلاء على مصادر المياه مما أدى إلى عدم القدرة على ري المحاصيل الزراعية وإتلافها، كما تمت سرقة غالبية المحاصيل من ثمار الزيتون ومصادرتها، بالاضافة للتهجير القسري للنساء والأطفال والسكان الأصليين في المناطق الزراعية، وإقامة البؤر الاستيطانية في الأراضي الزراعية.
أما آخر ما قامت به إسرائيل فهو إبلاغ الأمم المتحدة بقطع العلاقة مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ’’اونروا’’ وإلغاء الاتفاقية المبرمة بينهما، مما سيؤدي الى كارثة إنسانية كبيرة في غزة والضفة الغربية.
إسرائيل بإجرامها هذا تنتهك كافة الأعراف والقوانين الإنسانية والدولية مسببة أعظم كارثة انسانية في هذا العصر.
من خطاب ’’سماح أبو نعمة’’ في ندوة ’’أصوات نسوية ضد الإمبريالية’’
تعيش سماح أبو نعمة في فلسطين, وهي عضو في اتحاد لجان العمل الزراعية (UAWC) وحركة ’’لا فيا كامبيسينا’’ (La via Campesina) وتعني ’’طريق المزارع’’. هذا المقال نسخة محررة من خطابها في ندوة ’’أصوات نسوية ضد الإمبريالية’’، التي نظمتها ’’كابيري’’ (Capire) والمسيرة العالمية للمرأة في 7 نوفمبر 2024.